الحب في القرآن نريد أن نعرض قلوبنا على القرآن الكريم ؟ ما هو ذاك الحب الذي يسودها ويمحورها ويستحوذ عليها ؟ إن كل حب يستقطب قلب الإنسان يتخذ إحدى درجتين.
الدرجة الأولى: أن يشكل هذا الحب محوراً وقاعدة لمشاعر وعواطف وآمال وطموحات هذا الإنسان، قد ينصرف عنه في قضاء حاجة في حدود خاصة ولكن سرعان ما يعود إلى القاعدة لأنها المركز وهى المحور وقد ينشغل بحديث، وقد ينشغل بكلام، وقد ينشغل بعمل، بطعام، بشراب، بعلاقات ثانوية، بصداقات، لكن يبقى ذلك الحب هو المحور.
الدرجة الثانية من هذا الحب: ان يستقطب هذا الحب كل وجدان الإنسان، بحيث لا يشغله شيء عنه على الإطلاق، ومعنى ذلك أنه سوف يرى محبوبه أينما توجه.
وهذا التقسيم الثنائى ينطبق على حب الله وحب الدنيا، الحب الشريف لله عز وجل يتخذ هاتين الدرجتين
الدرجة الأولى: يتخذها في نفوس المؤمنين الصالحين فهؤلاء يجعلون من حب الله محوراً لكل عواطفهم ومشاعرهم وطموحاتهم وآمالهم، قد ينشغلون بمتعة من المتع المباحة، ولكن يبقى هذا المحور هو الذى يرجعون إليه بمجرد أن ينتهى هذا الانشغال الطارئ. كما قال واصفاً المؤمنين في غزوة أحد حينما تطلعت نفوسهم إلى الغنائم ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾[آل عمران:152] وهذا هو شأن المؤمن الصالح يرجع ويتوب ويعود إلى حب الله بعد ما شغلته الدنيا لأن حب الله عنده هو الأساس و المحور.
أما الدرجة الثانية، فهى الدرجة التي يصل إليها الصديقون وأولياء الله وهم الصفوة كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم وأرضاهم. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾[البقرة:165]، وقال أيضاً:﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾[المائدة:54].
وفي الحديث (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولاصيام ولكن بشيء وقر في صدره) يعني والله تعالى أعلم أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحب الله ويحب الإسلام حباً عظيما لا يقدر بشيء وهذا الحب إستقطب كل وجدانه وكل مشاعره بحيث لا يقدم أي شيء على حب الله وحب الإسلام وأكبر دليل يدل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه استلم قيادة جزيرة العرب وأغلب أهلها قد إرتدوا عن الإسلام ونكثوا العهود فثبت ولم يهتز لأنه يحب الإسلام ويحب مرضاة الله حباً لا مثيل له ولأجل ذلك ضحى في قتال المرتدين بالنفس والنفيس.